للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

النوم على جفنه الشريف محرّما (١)، إلى أن يبلّغه الله فى أعداه، غاية قصده ومنتهى مناه

وكان بيبرس الجاشنكير لم تبرح آرايه معكوسة، وأحواله منحوسة، لما كان يضمره ويخفيه، من مكره الذى كان فيه، حتى عاد وكلّ رأى يظنّ أنّه ينجح، يلقى من تلقايه لا أفلح. فكان من عكس رأيه وسوء تدبيره أنّه كان مقيما بالتجاريد التى خرجت صحبته بدمشق، وهو يهدر ويرعد، ويرغى ويزبد، ويقول: وما هم التتار؟ أنا ألقاهم (٧) وأبدّد شملهم بهذا الصارم البتّار. -وهو يظنّ أنّهم لا يقدمون على البلاد، إذا بلغهم أنّه فى تلك العدّة والسواد. فلمّا تحقّق مأتاهم، وتعيّن له لقياهم، أدركه الزّمع، وظهر عليه الهلع، وتزايد اصفراره، ودخلت فكوكه وطال منقاره. وخرج من دمشق وصناجقه ملفوفة، وطبوله مكفوفة، وأهل دمشق يسبّوه على هذه (١٢) الفعال، وكونه منع الجفّال، من الجفل فى أوّل حال، وغرّه لهم بالمحال، وخرجت فى أثره الأهل والعيال، والنسا والأطفال مع البنات ربّات الحجال، فى أنحس الأحوال، لا تعى الرجال على النسا ولا النسا على الرجال. وليس فيهم إلاّ من يدعو عليه، وهو يسمع ذلك منهم بأذنيه.

فلم يزل ذلك دابه. وقد غاب صوابه، ولا يردّ على أحد جوابه

وما برح على هذه الصورة، حتى ظهرت السناجق المنصورة، التى عليها آيات النصر بالتلاوة مقصورة، فلمّا عاين الجيوش الناصريّة سكن جأشه بعد الفرق. ولمّا شاهد العساكر المحمديّة حمد الله تعالى ربّ الفلق، وزال ما كان قد اعتراه من القلق، ولم يزل كذلك حتى


(١) محرما: محرم
(٧) ألقاهم: للقاهم
(١٢) هذه: هذا