للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقعت عينه على الأسد الهصور، والليث الكسور. والعقاب الجسور، الملك الناصر المنصور، وشاهد من وجهه سواطع النور، وهو كاللبؤة (٢) إذا فارقت أشبالها، وجيوشه المنصورة قد طبّقت سهول الأرض مع جبالها، قد حفّت به الملايكة المقرّبين من كلّ ملك كريب (٤)، وقد كتب بالنور على تاجه {نَصْرٌ مِنَ اللهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ} (٥) فلمّا عاين من قدرة الله تعالى ما لعقله قد حيّر، وللبّه قد أبهر، ونظر، فإذا مكتوب بقلم النور على علمه الأصفر {إِنّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً لِيَغْفِرَ لَكَ اللهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ} (٨) ثمّ حقّق النظر عن يمينه، فإذا على طرازه مكتوب: فتح الله ونصر، وعلى يساره مكتوب: الله أكبر، هذا الملك المؤيّد بالظفر. هنالك علم أنّ هذا ليس فى قدرة البشر، وأنّه تأييد إليه تعالى فقدّر، ليحيّر فى لطايف صنعه العقول والفكر، ليعتبر بذلك كلّ من بغى عليه ولنعمته كفر، فلم يملك نفسه دون أن رمى بها، ولثم التراب.

ثمّ بعدها قبّل الركاب، وهو يقرأ فى نفسه {هذا عَطاؤُنا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسابٍ} (١٤) والحسد من حينئذ قد داخله. ولم يزل به حتى كان قاتله، فلله درّه ما أعدله. بدا بصاحبه فقتله. فلو كان له فى نفسه بصيرة، لألقى معاذيره (١٦). وإنّما أراد الله تعالى أن يقضى مقاديره، لتكون سيرته الشريفة أعظم من كلّ سيرة. وكان ملتقى العساكر الإسلاميّة بعضهم ببعض، وامتلأت بهم الأرض، نهار السبت مستهلّ شهر رمضان المعظّم أوّل النهار المبارك، وفيه كان النصر للإسلام مشارك


(٢) كاللبؤة: كالبوه
(٤) من كل ملك كريب: بالهامش، هكذا بالأصل ولعله كروب
(٥) السورة ٦١ الآية ١٣
(٨) السورة ٤٨ الآيتين ١ و ٢
(١٤) السورة ٣٨ الآية ٣٩
(١٦) نفسه. . . معاذيره: قارن السورة ٧٥ الآيتان ١٤ و ١٥