للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فلمّا كان بعد صلاة الظهر ظهرت جيوش المغل تتعثّر، كالجراد الأحمر، وذلك أنّهم لمّا بلغهم أنّ بيبرس الجاشنكير خرج عن دمشق وأخلاها، وأنّها لهم خلاّها، ظنّوا أنّ ذلك منه خدعة حتى يدخلون إليها ويشتغلون بنهبها. فيعود عليهم سرعة، وكان هذا ممّا أرماه الله تعالى فى قلوبهم من الهيبة، حتى يعودوا مكسورين بالخيبة، وصان دمشق وحماها بلطفه وكلأها

ثمّ التقى الجمعان، وعمل الضرب والطعان، وصبر الشجاع وفرّ الجبان، وعمل الصارم، وليمته فى الجماجم، وخطر الأسمر، يميس فى لباسه الأحمر، وغنّى الحسام، وانقطع الكلام، لمّا زادت الكلام، ورقصت الخيول، على دقّات الطبول، وهاجت بلابل الشجعان، لمّا عاد الجبان، خرسان من الخرسان (١١)، وسهام الحداق فى الأحداق، والمهنّد قد {فَطَفِقَ مَسْحاً بِالسُّوقِ وَالْأَعْناقِ} (١٢) وعاد الأسمر بين الصفوف فى الحىّ (١٢_) يميل، فكم عاد له من حىّ قتيل.

فلمّا تهيّأت الجزور، بعد فوران تلك القدور، تقدّمت إلى تلك الدعوة الوحوش والنسور، فأمعنوا من لحوم لا عاد لها نشور، إلاّ يوم النشور.

وكلّ من الجنسين عاد للجيشين شكور، ولهذا اليوم المذكور ذكور، مع علمه أنّه فى شكره قاصر، لما فعله فى ذلك اليوم السلطان الأعظم الملك الناصر. فلمّا نظر الأسد إلى صبره وثباته، صغرت عند نفسه وثباته، وعلم أنّ ثباته بإقدامه، أعظم من وثباته وأقدامه. ولمّا عاين الذئب هذه الجسارة، علم أنّ جسارته بعدها خسارة، فقال الضبعان: لسان حالى يقصر عن وصف شجاعة هذا السلطان، وإنّما أدعو له إذا مشيت، وأنا من وليمة أسيافه


(١١) خرسان من الخرسان: خرصان من الخرصان
(١٢) السورة ٣٨ الآية ٣٣
(١٢_) فى الحى: بالهامش