للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

من هناك، ورجعت طالبا للسلامة من الهلاك، فما كان إلاّ أن دخلوا البلاد، وفعلوا ما أمرتهم به من الفساد، ونزلوا بالقرب من حلب، وشنّوا الغارة وجدّوا فى الطلب. وسيّرت من جيشك جماعة إلى القريتين، فشاهدهم يزكنا المنصور مرأى العين، فوجدوهم وقد أخذوا أغنام التركمان، فتلقّوهم يزكنا بأضيق (٥) مكان، فلم يلبث الباغون {إِلاّ ساعَةً مِنْ نَهارٍ} وطلبوا الهزيمة والفرار، فلم يمهلوا حتى عجّل الله بأرواحهم إلى النار، وبقّى أجسادهم ملقاة بأرض عرض، إلى يوم العرض. ثمّ سارت عساكرك طالبين الغوطة، ولم يعلموا أنّ بها أسودا (٨) مربوطة، وعساكرنا تتأخّر عنهم قليلا قليلا، وأعيننا ترقبها بكرة وأصيلا. فلمّا عاينوا دمشق ظنّوا أنّهم يدخلوها ولأهلها يأسرون، وما علموا أنّهم فى تجارتهم يخسرون، فإن سجيّة الغدر للهلاك، ومصرع البغى ليس منه فكاك. فلم تغرب الشمس حتى فرّقناهم على أديم الأرض، وشتّتنا بعضهم عن بعض

والتجأ من بقى منهم إلى الجبل، وباتوا وهم من سيوفنا على وجل.

وأقاموا عليه ليلة الأحد، وظنّوا أن ليس مقابلهم أحد. فلمّا دقّت نصف الليل كوساتنا المنصورة، تحقّقوا أنّهم الفية الباغية المكسورة. فعند ما أصبحوا نظروا الأرض، وقد سالت عليهم خيلا ورجلا حتى ضاقت بهم عن المجال. فعندها ندموا حيث لا ينفعهم الندم، وأيقنوا (١٧) بعد السلامة بالعدم.

فنادى لسان حالهم-وقد قصّروا فى أعمالهم-أعتقنا أيّها الملك الرحيم، واعف عنّا فإنّك حليم. فأمرنا جيوشنا أن تفتتح لهم طريقا منها يخرجون، وتركناهم من أمرنا يعجبون، ففرّوا فرار الشاة من الأسد، ولم يلتفت منهم الوالد على الولد


(٥) بأضيق: باظيق--السورة ٤٦ الآية ٣٥
(٨) أسودا: أسود
(١٧) أيقنوا: ايقنوا