للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

طربا لذكر محاسنى الأعناق، وتجعل قصورى مساكن الحور، والولدان من البدور، والليوث من الأسود، وتمحى عنّى هذه الرسوم السود، ويرجع الزمان ويداريه، ويعود الماء إلى مجاريه، لكنت جعلت سمايى أرضا، وطولى عرضا، ولا كنت بهذا الذلّ أرضى. وإنّما سيكون لى شأن-وأىّ شأن! -إذا شيّدت بالبنيان. وعمر فىّ بيت للرحمن، يعلن فيه بالأذان، بأصوات حسان، ويتلى فيه القرآن، مزخرفا كزخرفة الجنان. فلذلك صبرت على هذا الذلّ والهوان، فى هذا الأوان

فقال نسيم النيل: أنا النسيم العليل، شوقا إلى ذلك الملك الجليل.

فكلّ من لاذ (١٠) إليه يرتاح، ارتياح الأشباح إلى الأرواح، والخليع اللطيف إلى شرب الراح، وإلىّ فمزاجه يريد الإصلاح. وإنّى سأزوره وقت الإسحار، إذا غرّدت الأطيار، على الأشجار، وأجرّ أذيالى على تلك الأزهار، بتلك الرّبى وهاتيك الديار، وأهدى شذاها، إلى ساكن حماها، شذى يحيى بعطره النفوس، إلى ساكن حمى الكرك المحروس. وسأقرئه منكم السلام، وأبلّغه عنكم هذا الكلام، من بعد ما ألثم بملاثمى الثرى، بين يدى سلطان الورى. فلما أدّى النسيم رسالته، وبلّغ المقام الشريف مقالته، أجابته اللطايف العظيمة، والعواطف الرحيمة، بقول <من الطويل>:

نسيم الصبا أهلا وسهلا ومرحبا ... حديثك ما أحلاه عندى وأعذبا

لقد سرّنى ما قد سمعت من الوفا ... وأسكرنى ذاك الحديث وأطربا

ويا محسنا قد جاء بالبشر والهنا ... ويا طيّبا أهدى من القول طيّبا

فإن عادت الأيّام تجمع بيننا ... سجدنا لربّ العرش شكرا لما حبا


(١٠) لاذ: لا