الظهر وصل خلفهم من يتبعهم تقدير ألفى فارس، يقدمهم من الأمرا الأمير سيف الدين الملك الجوكندار مع جماعة من الأمرا فى تعدادهم طول.
فكانوا المهاجرين فى تلك الساعة بمنزلة الخطّارة، والذين فى أثرهم فى بلبيس، وعادوا يقصرون فى طلبهم. حكى لى والدى وقد رأيته فى تلك الساعة قد لاقى الأمير سيف الدين الملك وهما يتناجيان سرا. فسألته بعد ذلك، قال: قلت له: يا خوند، تمهّل على نفسك، فإنّ القوم الذين خرجتم فى طلبهم مستقبلون، وهم والله على الحقّ وأنتم بخلاف ذلك. قال والدى:
فلمّا سمع قولى تبسّم وقال: والله لقد صدقت، يا جمال الدين. دعهم، كتب الله سلامتهم، وبلّغهم مأمنهم
ثمّ إن أوليك القوم وصلوا قطيا ثانى يوم الصبح، وقد عملوا الليل كلّه. فنهبوها وأخذوا جميع حاصلها بالصندوق، ولم يزالون يحثّون السير الليل والنهار حتى وصلوا سالمين إلى الكرك المحروس اليوم الثانى من شهر رجب الفرد. فتلقّاهم مولانا السلطان عزّ نصره ملتقى حسنا ورتّب لهم الراتب الجيّد من جميع ما يحتاجون إليه. وأمّا العسكر الذى كان قد خرج فى طلبهم فلم يلحقوا لهم أثرا (١٥) غير فرس قد وقف أو جمل هجين قد أعيا. فوصلوا إلى الغرابى وعادوا على الأثر إلى ديار مصر بالقاهرة
حدّثنى الملك الكامل رحمه الله فى سنة عشر وسبع ماية بدمشق المحروسة ونحن بها يومئذ، قال: لمّا وصلت هذه الجماعة من مصر إلى ركاب مولانا السلطان نفذ عقيب ذلك إلى دمشق نجّاب وصحبته ثلاثة مماليك أحدهم فجليس إلى عند نايب الشأم الأمير جمال الدين الأفرم،