للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ممّا يقارب هذا، لكن ما وصل إلى جميع ما ذكرناه. فإنّ قراسنقر كان أسعد من الأفرم، بدليل أنّ قراسنقر كان طمّاعا خسيسا محصّلا (٢)، وكانت نفسه تحدّثه بآمال خايبة وأمانى كاذبة بأنّه يكون منه ملك. فكانت آلات المملكة عنده مجهّزة. وأمّا الأفرم فإنّه كان رجلا قصيفا نهّابا وهّابا (٤)، لا له تطلّع إلاّ إلى قدح ومليح. فلم يكن عنده بعض ما كان عند قراسنقر

قال الناقل لهذه الأخبار: فلمّا عاين خدابنداه تقدمة قراسنقر أعجبه إعجابا كبيرا، وأحضرهم فى اليوم الثانى، وقد جلس فى مجلس الشراب. وجدّد عليهما الخلع السنيّة. وحضروا أمرا المغل الكبار والخواتين. ودارت عليهم الكاسات، وشرب قراسنقر من ذلك القمز وقراقمز، وشرب الأفرم من ذلك الخمر العتيق. وأحضر قراسنقر جوقة مغانى جوار كأنهن الأقمار، وغنّوا بالطار والزمر، وأعجب ذلك الخواتين.

قال: فلمّا طاب قراسنقر ونسى الهمّ وطرحه خلفه، وقد احمرّ وجهه وتفرّقت شيبته التى قد ختم الله لها بالشقاوة بعد السعادة، نهض (١٣) قايما وضرب جوك للقآن وقال: أشتهى أكلّم القآن كلمتين. -فقال الملك خدابنداه:

تكلّم (١٥) بما تشتهى، يامير شمس الدين، ويكون كلامك أقوى من الحديد ولا تنجبه، ولا تخلّى كلاما (١٦) تريد تقول. -فقال: الله يحفظ القآن! ملكتوا البلاد العامرة والقلاع الحصينة وأخربتوها، والرعيّة عمارة الأرض قتلتوها، وجميع الأموال سبكتوها حجارة وتحت الأرض دفنتوها. وعندكم الخير كثير ما تعرفوا تعيشوا فيه. وفى بلادكم الغلال والأنعام والمواشى، وخيار


(٢) طماعا خسيسا محصلا: طماع خسيس محصل
(٤) رجلا قصيفا نهابا وهابا: رجل قصيف نهاب وهاب
(١٣) نهض: نهظ
(١٥) تكلم: اتكلم
(١٦) كلاما: كلام