للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ثمّ انتقل عن تلك الطريقة إلى أغرب من الاثنتين، وضرب ضربا ما سمعت مثله قطّ، ثمّ غنّى <من الطويل>:

ألا يا صبا نجد متى هجت من نجد ... فقد زادنى مسراك وجدا على وجد

أإن هتفت ورقاء فى رونق الضحى ... على فنن (٤) غضّ النبات من الرّند

بكيت كما يبكى الوليد صبابة ... وذبت من الحزن المبرّح والجهد

وقد زعموا أن المحبّ إذا دنا ... يملّ وأنّ النأى يشفى من الوجد

بكلّ تداوينا فلم يشف ما بنا ... على أنّ قرب الدار خير من البعد

قال: فصرخت صرخة أعظم من الأولى وغمى علىّ من شدّة الطرب، ففتحت عينى فلم أنظر أحدا (٩)، وأجد جوارىّ حولى فقلت: ويلكنّ، الشيخ. -فقلن: أىّ الشيوخ؟ ما رأينا أحدا (١٠). وإنّما سمعنا عندك اليوم ما لم نسمعه قطّ، ودخلنا عليك لمّا سمعنا صرختك. فلم نجد عندك أحدا (١١). - فقلت: علىّ بالبوّاب! -فأدخل علىّ. فقلت: ويلك، الشيخ الذى أدخلته علىّ ما فعل؟ -فقال: والله لم يدخل عليك اليوم من أحد. -قال:

فتحيّرت فى أمرى، وإذا أنا بقايل يقول، ولم أنظر له شخصا (١٤): يا لكاع، إنّ نديمك منذ اليوم الشيخ أبو (١٥) مرّة فلا ترتاع. -فقلت: بالله ألا ما ألقيت علىّ الأصوات. -فقال: قد ألقيتهم فى محفوظك (١٦) حتى عادوا أرسخ من الحجر. -قال: فأخذت العود وضربت. فإذا أنا صايب فى جميع الأصوات الثلاثة


(٤) فنن: غصن
(٩) أحدا: احد
(١٠) أحدا: أحد
(١١) أحدا: احد
(١٤) شخصا: شخص
(١٥) أبو: ابا
(١٦) محفوظك: محفوضك