للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لا سمعت مثله قطّ. فلمّا اعتدل ضرب به طرايق غريبة، حتى خيّل لى أنّ الأركان ستقع علينا طربا. ثمّ أنشد يقول <من الطويل>:

ولى كبد مقروحة من يبيعنى ... بها كبدا (٣) ليست بذات قروح

أباها علىّ الناس ما يشترونها ... ومن يشترى ذا قرحة (٤) بصحيح

أئنّ (٥) ... من الشوق الذى فى جوانحى

أنين غصيص بالشراب جريح

قال: فو الله لقد خيّل لى أنّى طاير بين السما والأرض لما لحقنى من الطرب. -ثمّ قال: أزيدك؟ -فقلت: زادك الله من كلّ خير. - قال: فتبسّم وقال: ليس لدعاك إجابة. -قال: فتعجّبت من كلامه أكثر من إعجابى بغناه. ثمّ غيّر تلك الطريقة وانتقل إلى غيرها، فكانت أعجب وأغرب من الأولى. ثمّ غنّى <من الطويل>:

ألا يا حمامات اللّوى عدن عودة ... فإنّى إلى أصواتكنّ حنين

فعدن فلمّا عدن كدن يمتننى ... وكدت بأسرارهنّ أبين (١٢)

دعوت بترداد الهديل كأنّما ... شربن سلافا أو بهنّ جنون

فلم ترا عينى مثلهنّ حمايما ... بكين ولم تدمع لهنّ عيون

قال: فلم أملك نفسى دون صرخت ومزّقت أثوابى. -قال:

ونظرت إلى الشيخ، فإذا به يتبسّم. ثمّ أمسك وقال: أزيدك الثالث؟ -فقلت: بلى، يا عمّ، فلم أرا والله مثلك منذ خلقت. - فقال: صدقت، ومن لك بذلك؟ -قال: فتعجّبت أيضا من جوابه.


(٣) كبدا: كبد
(٤) قرحة: بالهامش «نسخة: عرة»
(٥) أئن: آان
(١٢) المصراع الثانى مضطرب