للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وكان الحسن بن سهل أخا (١) الفضل بن سهل المعروف بذى الرياستين، وكانا مجوسيين (٢) فى أيّام الرشيد. وكان الفضل قد ظهرت ليحيى بن خالد البرمكىّ مخايل فضله ودلايل عقله وهو على دينه. فقال يحيى بن خالد:

يا فضل، أسلم! أجد السبيل إلى اصطناعك. -فأسلم على يدى الرشيد، ولم يزل فى جنبته حتى رقى رتبته. وكان قد ذكره يحيى بن خالد للرشيد، فأجمل الثنا عليه فأمر بإحضاره. فلمّا رآه أفحم، فنظر الرشيد إلى يحيى كالمستفهم، ففهم الفضل، فقال: يا أمير المؤمنين، إنّ من أدلّ الدليل على فراهة العبد أن تملك هيبة مولاه لسانه وقلبه. -فقال الرشيد: إن كنت سكتّ لتقول هذا القول لقد أحسنت. وإن كان هذا شئ اعتراك عند الحصر لقد أجدت. -وزاد فى إكرامه وبرّه وتقريبه، وجعل لا يسأله بعد ذلك عن شئ إلاّ أجابه بأفصح لسان وأجود بيان

قال سهل بن هرون أحد (١٢) فلاسفة الإسلام: وممّا حفظ من كلام ذى الرياستين الفضل بن سهل ممّا رأينا تخليده فى الكتب، ليؤتمّ به وينتفع بمنقول حكمته، قوله: من ترك حقّا فقد غبن حظا، ومن قضى حقّا فقد أحرز غنما، ومن أتى فضلا فقد أوجب شكرا، ومن أحسن توكّلا لم يعدم لله صنعا، ومن ترك لله (١٦) شيا لم يجد لما ترك فقدا، ومن التمس بمعصية لله حمدا عاد ملتمس ذلك عليه ذمّا. ومن طالب بخلاف الحقّ له دركا عاد ما أدرك من ذلك له موبقا. وذلك أوجب الفلح للمحسنين، وجعل سوء العاقبة للمسيئين المقصّرين

وكان ذو الرياستين يقبل صواب القايلين بما فى قوّته من صفا الغريزة وجودة النحيزة. فهو كما قال أبو الطيّب المتنبّى <من الخفيف>:

ملك منشد القريض لديه ... يضع الثوب فى يدى بزّاز


(١) أخا: اخى
(٢) مجوسيين: مجوسا
(١٢) أحد: احدى
(١٦) لله: الله