ثمّ إن العبد خرج عن شرط الاختصار، حتى عاد كالمهذار. وإنّما سقنا هذا الكلام لفوايد عدّة، أحدها أنّ الكتب تملّ إذا كانت على منوال واحد فى الحديث. فقصدنا تطريز الكلام، بنوادر الأحكام. والأخرى ليكون ذلك ردّا على من يتشرّع بغير شرع، ويتّبع الخلاف ويدّعى فى العلم فلسفة، فيقول: إنّ ما أنفق فى هذا المهمّ الناصرىّ إسراف، فقصدنا أن ننبّه أنّ مولانا السلطان متّبع لا مبتدع، مقصّر عن كلّ أمر مخترع، لا يخرج عمّا استنّه السلف، وأنّه أعزّ الله أنصاره نعم الخلف، أمدّ الله على كافّة المسلمين ظلّه، ورفع فوق السّماكين محلّه
وفيها كانت الفتنة بإسكندريّة فى شهر رجب الفرد بين أهلها ومتولّيها ركن الدين بيبرس الكركرىّ، ورجموه بالثغر مرّة. ثمّ إنّه سايس أمره فيها. فلمّا كان فى شهر رجب رجموه أيضا، وهرب منهم إلى دار النيابة.
فتبعوه، فغلّق الباب فأرادوا حريقه بالنار. فلمّا عاين منهم الجدّ وأنّهم لا يرجعون عنه، بطّق بصورة الحال، فرسم للأمير علاء الدين الجمالىّ الوزير بالتوجّه إليه فى أسرع وقت. فتوجّه إلى الثغر وصحبته ثلاثة أمرا، فيهم سيف الدين طوغان الشمسىّ، مملوك الأمير سيف الدين سنقر الطويل، وكان يومئذ شادّ الدواوين بالأبواب العالية فى خدمة الأمير علاء الدين الجمالىّ.
فوصل الأمير علاء الدين الجمالىّ إلى الثغر المذكور، ومسك جماعة كبيرة، ووسّط منهم وقطع أحدا (١٨) وثلاثين نفرا، ممّن كانوا أصحاب الفتن ورءوس الأحزاب. ثمّ قبض على جماعة من كبار البلد ممّن استحسنوا لأوليك المفتنين، وجناهم ما جملته ألف ألف درهم وسبعين ألف درهم، وحمل ذلك