وقال لها: قد اشتقت إلى الجنّة. فقالت: أنت مطرود عن الجنّة، فكيف أدخلك إليها؟ فقال: وما يضرّك؟ فإنّي مطرود عنها حيث لم أسجد لآدم، فأدخليني لأسجد له، لعلّ الله أن يرضى عليّ. ففتحت فاها، فوثب فقعد على ناب من أنيابها، ومرّت به على (٣٣) الخزنة، فأنساهم العلم السابق والقدر المحتوم أن يفتقدوا ناب الحيّة، فدخلت به.
وكان آدم لمّا رأى نعيم الجنّة قال: لو أنّ لنا خلدا! فأتاه من قبل الخلد، فجاء فوقف بين يدي آدم وحوّاء وهما لا يعلمان أنّه إبليس، فناح عليهما نياحة أحزنتهما-وهو أوّل من ناح، فقالا له: ما الذي بك؟ وما يبكيك؟ فقال: أبكي عليكما، تموتان وتفارقان هذا النعيم. فوقع ذلك في نفوسهما واغتمّا، ومضى عنهما، ثمّ جاءهما بعد ذلك فقال:{يا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لا يَبْلى} فقال: إنّ ربّي نهاني عنها، {وَقاسَمَهُما} أي حلف لهما {إِنِّي لَكُما لَمِنَ النّاصِحِينَ} فاغترّا. قال ابن عبّاس: ما ظنّ آدم أنّ أحدا يحلف بالله كاذبا. فبادرت حوّاء إلى الأكل من الشجرة، ثمّ ناولت آدم فأكل منها.
وقال مقاتل <بن سليمان>: قال لهما إبليس: ما نهاكما ربّكما عن هذه الشجرة إلاّ حسدا لكما، لأنّه علم أنّكما متى أكلتما منها علمتما الغيب وزاحمتماه في ملكه.