للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قلت: والعجب من حكاية الثّعلبيّ مثل هذا عن ابن المسيّب، وهو إمام، وفيه العلم والزهد والورع والتحرّز في أقواله عن مثل هذا. وقد اتّفق العلماء، رضي الله عنهم، على أنّ خمر الجنّة لا يسكر ولا يذهب بالعقل.

قال الله تعالى: {لا يُصَدَّعُونَ عَنْها وَلا يُنْزِفُونَ} وقال: {يَتَنازَعُونَ فِيها كَأْساً لا لَغْوٌ فِيها وَلا تَأْثِيمٌ} وهو السكر. والمراد من الخمر هو حصول اللذّة المطربة، وذلك حاصل في الجنّة بدون السكر، فإنّه مباح لأهل الجنّة مع بقاء عقولهم، وبهذا فارق خمر الدنيا.

وإنّما اللائق بحال آدم أنّه إنّما أكل من الشجرة متأوّلا لا للكراهة دون التحريم، وذلك قبل النبوّة، لأنّه نهي عن شجرة فأكل من جنسها ظنّا منه أنّ المراد غير تلك الّتي نهي عنها، لا الّتي أكل منها، على أنّ الله تعالى قد عذره بكونه أكل ناسيا، فقال: {وَلَقَدْ عَهِدْنا إِلى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً}.

فإن قيل: فإن كان آدم تعمّد فمعصيته كبيرة، والكبائر لا تجوز على الأنبياء، وإن كان نسي فالنسيان معفوّ عنه، فكيف وقعت المؤاخذة؟ فالجواب من وجوه ذكرت، أحدها: أنّ الأنبياء قد أمروا بتجويد الحفظ، ومثل آدم لا يسامح. الثاني: لأنّه خالف، ومخالف الأمر يعاقب وإن كان ناسيا، فإنّ (٣٥) من طلّق امرأته ناسيا أو ساهيا أو هازلا وقع طلاقه.