والأديرة، فوجدت هذا الكتاب في الدّير الأبيض الذي مقابل سوهاي، وكان به رجل راهب فاضل، يقال له: برصوما. فلمّا تجارينا في أمر تاريخ مصر، أحضر هذا الكتاب وقرأه عليّ وفسّره بالعربيّ، فاستنسخت منه لي طول مدّة إقامتي بذلك الدّير، ما أنا ذاكره ها هنا، فإنّ فيه من العجائب والغرائب ما لا يسمع بمثله، فهذا الذي حثّني حتّى وضعته في هذا التاريخ، وأنا أرجوا من الله تعالى المسامحة، والآخرة الصالحة، بمنّه وعونه وكرمه.
أمّا هؤلاء الكهنة قبل الطوفان بمصر، <فكانوا> ينحون في كهانتهم نحو الكواكب بزعمهم، ويدّعون أنّ الكواكب إذا خدموها جدّ الخدمة، أفاضت عليهم خصائص العلوم المكنونة، فعملوا الطّلّسمات المشهورة، والنواميس الجليلة، وولّدوا المولّدات الماشية، والصّور المتحرّكة، وبنوا العالي من البنيان، وزبروا علومهم في الصّلب من الصّخور، وافتردوا لعمل البرابي، وتحصّنوا بها من الأعداء، وعجائبهم ظاهرة، وحكمهم باقية واضحة.
وكانت مصر خمسة وثمانين كورة، فيها بأسفل الأرض خمسة وأربعين، وبالصّعيد أربعين. وكان في كلّ كورة رئيس من كهّانهم يرجعون