للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مثل الدنيا ما بين مشارقها ومغاربها، وأمّا ما كان فى سابق علمه أن يطمسها ويحوّلها قمرا فإنّه دون الشمس فى العظم، وإنّما يرى صغيرا لسدّه من ارتفاع السماء وبعدها من الأرض، فلو ترك الله الشمس كما كان خلقها لم يعرف الليل من النهار ولا النهار من الليل، وكان لا يدرى الأجير إلى أى متى يعمل ومتى أخذ أجره، ولا يدرى الصائم إلى متى يصوم، ولا تدرى المرأة كيف تعتدّ ولا يدرى المسلمون متى وقت الحجّ، ولا متى تحلّ ديونهم، فنظر الله لعباده فأرسل جبرائيل (٤٢) فأمرّ جناحه على وجه القمر فطمس عنه الضوء وبقى فيه النور، فذلك قوله تعالى: {وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهارَ آيَتَيْنِ»} (١)، الآية، فالسواد الذى ترونه فيه شبه الخطوط فهو أثر المحو، قال: ثم خلق الله للشمس عجلة من نور العرش لها ثلاثمائة وستّون عروة، ووكّل بالشمس وعجلتها ثلاثمائة وستّين ملكا يعلق كلّ واحد منهم بعروة، وخلق القمر أيضا كذلك وخلق لها مشارق ومغارب ثمانين ومائة عين فى المغرب طينة سوداء، فذلك قوله تعالى: {وَجَدَها تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ»} (٢)، تفور كغليان القدور، فكلّ يوم وليلة لهما مطلع جديد ومغرب جديد، فذلك قوله تعالى: {رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ»} (٣)، قال: وخلق الله مجرى دون السماء يعنى بحرا مقدار ثلاثة فراسخ، وهو موج مكفوف قائم فى الهواء كأنّه جبل ممدود فتجرى فيه الشمس والقمر والخنس، فذلك قوله تعالى: {وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ»} (٤)، والذى نفس محمدّ بيده لو بدت الشمس من ذلك البحر لأحرقت كلّ شئ فى الأرض حتى الصخور والحجارة ولو بدا القمر من ذلك البحر لافتتن أهل الأرض حتى يعبدوه من دون الله تعالى.


(١) القرآن الكريم ١٧/ ١٢
(٢) القرآن الكريم ١٨/ ٨٦
(٣) القرآن الكريم ٧٠/ ٤٠
(٤) القرآن الكريم ٣٦/ ٤٠