كأنّه أتاه رجلان، ولهما أجنحة، فاختطفاه وحملاه إلى الفلك السابع.
فأوقفاه بين يدي شيخ أسود اللون، أبيض الرأس واللحية، فقال: هل تعرفني؟ فدخلته فزعة الحداثة، وكان سنّه نيّفا وثلاثين سنة، فقال: ما أعرفك. فقال: أنا فورس-يعني: رجلا. فقال: قد عرفتك؛ أنت إلهي.
فقال: إنّي لست بإلهك ولا إله أحد من الناس، وأنا مربوب مثلك، وإلهي وإلهك الذي خلق السموات والأرض، وخلقني وخلقك. فقال: فأين هو؟ فقال: في العلوّ الأعلى، (١٠٩) لا تراه العيون، ولا يحويه مكان، ولا تدركه الأوهام، حيّ لا ينام، وهو جعلنا سببا لتدبير العالم الأرضيّ. فقال الملك: فبماذا تأمرني أن أفعل؟ قال: تضمر في نفسك ربوبيّته علينا وعلى الخلق الجميع، وتخلص في وحدانيّته، وتعترف بأزليّته. ثمّ أمر تلك الرجلين فأنزلاني، فانتبهت مذعورا وأنا على فراشي.
فدعي برأس الكهنة، وقصّ عليه ذلك. فقال: قد نهاك أن تتّخذ الأصنام معبودا، فإنّها <لا> تضرّ ولا تنفع. فقال: من أعبد أيّها الحكيم الفاضل؟ قال: الذي دلّك عليه، وهو الذي خلق السموات والأرض والكواكب والفلك، الذي هم به، والأرض ومن عليها.
فعاد ذلك الملك إذا حضر إلى بيت الأصنام، انحرف عن الصنم، ونوى سجوده لخالق السموات والأرض، وخالق الكواكب السبع. ثمّ إن الله تعالى أيّده بملائكة تعضده وتحرسه وترشده إلى مصالح أحواله. وكان يأتيه في نومه من يرشده إلى سائر مصالح ملكه.