النفيسة، وحوّل إليها كبار السحرة والكهنة وسائر أصحاب الصنائع والتجارات وأرباب الزراعات، وقسّم لهم مساكن بحيث لا تختلط طائفة مع غيرها.
وعقد على تلك الجسور قناطر يمشي عليها الداخل إلى المدينة.
وجعل الماء يدور حول الرّبض وعلها أعلاما وحرسا. ثمّ أمر فغرست من وراء تلك المدينة النخيل والأشجار من سائر الأصناف. وجعل من وراء ذلك مزارع الغلاّت من سائر الحبوب. وكان يرتفع منها كلّ سنة ما يكفيه لعشر سنين. كلّ ذلك خوفا من الوليد بن دومغ. وبين هذه المدينة وبين مدينة منف ثلاثة أيّام. وعاد يخرج إليها ويقيم بها الأيّام ثمّ يعود إلى منف.
فلمّا تمّ لعون ذلك اطمأنّ قلبه وسكتت نفسه، إلى أن وافا الوليد إلى ناحية النّوبة، وورد على عون كتابا يأمره <فيه> أن ينفّذ إليه الأزواد وينصف له الأسواق. فوجّه ذلك كلّه في المراكب وعلى الظّهر. ثمّ حول جميع عياله ومن اصطفاه من بنات ملوك مصر وكبرائها إلى المدينة المذكورة، حتّى إذا قرب دخول الوليد إلى مصر تحوّل إلى المدينة وتحصّن بها وخلّف الوليد من بعده خليفة يلقاه ويكون بين يديه.
ودخل الوليد مصر فتلقّاه أهلها وشكوا إليه ما لا قوة من عون وما حلّ بهم منه. قال: فأين عون؟ قالوا: فرّ عون. فاستقرّ هذا الاسم بعد ذلك لمن يلي ملك مصر.