نفسك وجيشك، وأنت مطلوب بهم. هل لا قنعت بما تملكه، وأتّكلت على خالقك، وأرحت نفسك من بعد العناء والغرر بهذا الخلق؟ فعجب نهراوس من قوله وسأله عن الماء فدلّه عليه ونما له عن موضعهم، فقال:
موضع لا يصل إليه أحد ولا بلغة قبلك أحد حتّى تبلغه أنت. قال: فما معاشكم وقوتكم؟ (١٣٤) قال: من أصول نبات الشجر ممّا تنبت الأرض.
قال: فمن أين تشربون؟ قال: من نقار من ماء الأمطار والثلوج. قال: فهل تحتاجون إلى مال أتركه عندكم؟ قال: إنّما يريد المال أهل البذخ. ونحن فلا نستعمل منه شيء وعندنا ما لو رأيته لحقّرت ما عندك. قال: أرنيه.
فانطلق بنفر من أصحابه إلى أرض في سفح جبل فيها قضبان الذهب نابتة، وأتى بهم إلى واد على حافّتيه حجارة الزبرجد والفيروزج والياقوت العظيم القدر. فأمر أصحابه أن يحملوا من كبار تلك الأحجار.
ثمّ سأله نهراوش على الطريق، فدلّ بهم وعاد. فلم يمرّ على أمّة إلاّ وتلقّونه حتّى وصل إلى أرض النوبة. ثمّ سار إلى منف. فلم يبق أحدا من أهل ديار مصر حتّى خرج إليه، وتلقّونه بأصناف الطّيب والرّياحين. وكان العزيز قد بنا له عدّة مجالس من الزجاج الملوّن وفرشه بأنواع الفرش.