وسار حتّى انتها إلى أرض ساوقة، وهي الحيّة العظيمة التي لا يعلم لها ابتداء من العمر وطول الدهر. فهجموا عليها وهم لا يعرفونها، وظنّوا أنّها قطعة جبل في تلك الوطاه، حتّى تحرّكت وخرج من مناخرها مشاهب نيران، فأهلكت خلقا عظيما من عسكره، وخرجوا من تلك الأرض وهم لا يصدّقون بالنّجاة منها، وتعوّذوا منها بالرّقا الذي يعرفونه وإلاّ كانت أهلكتهم عن آخرهم.
وذكر القبط أنّه منعها بعد ذلك هذا الملك من الحركة بسحره وقيّدها في مكانها. وذكروا أنّ تقدير ما يحويها من الأرض ستّة أميال، وأنّه لم يكن لها غذاء إلاّ من تلك السباع، وقد ركّب الله تعالى فيها خاصّيّة تجتذب بها من البحر والبرّ ما شاءت لقوتها، وأنّ هذا الملك كان سبب هلاكها بسحره.
ثمّ سار إلى مدينة الكند، وهي مدينة الحكماء. فلمّا رأوه تهاربوا إلى أعلى جبل عندهم في أماكن حصينة. فأقام عليها أيّاما لا يقدر على الصعود إليهم وكادوا يهلكون عطشا. فنزل إليهم من الجبل رجل حكيم يقال له:
مندويس. وكان أكبرهم، وقد لبس شعره جسده. فقال للملك: أين تريد أيّها المغرور، المحدود له في الأجل، المرزوق فوق الكفاية؟ أتعبت