للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قلّتها وانطلقت حتّى دخلت المغارة، فوجدت جبريل، عليه السلام، عند المغارة، قد مثّله الله {لَها بَشَراً سَوِيًّا} فقال لها: إنّ الله، تبارك وتعالى، قد أنفذني إليك ليهب {لَكِ غُلاماً زَكِيًّا}. {قالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا}، وهي تحسبه رجل كان عندهم وكان اسمه تقيّا، وكان مشهورا بفسق. ف‍ {قالَ إِنَّما أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلاماً زَكِيًّا قالَتْ أَنّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا قالَ كَذلِكِ قالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنّاسِ وَرَحْمَةً مِنّا وَكانَ أَمْراً مَقْضِيًّا}.

فلمّا سمعت ذلك استسلمت لأمر الله، فنفخ في جيبها ثمّ انصرف عنها. وملّت قلّتها وعادت. وكانت مريم لم يكن في أهل زمانها أحد أشدّ عبادة منها ولا أكثر اجتهادا. فكان أوّل من أنكر حمل مريم صاحبها يوسف. فإنّه لمّا رأى الذي بها عظم عليه ولم يدر ما يصنع. فكان إذا أراد أن يتّهمها، يذكر صلاحها وعبادتها وأنّها لم تغب عنه ساعة قطّ. وإذا أراد أن يبرّئها ينظر إلى الذي قد ظهر عليها. قال: فلمّا اشتدّ به الأمر-وهو يستحي من كلامها في ذلك-قال لها: يا مريم، إنّه قد وقع في نفسي منك أمرا، وقد نويت أن أكتمه في نفسي، فغلبني ذلك، وإنّ الكلام فيه شفاء للصدر. فقالت مريم: قل قولا جميلا. فقال: يا مريم، هل بنيت زرعا