للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بغير بذار؟ قالت: نعم. قال: فهل بنيت شجرا بغير غيث يصيبها؟ قالت:

نعم. ثمّ قالت: ألم تعلم أنّ الله، عزّ وجلّ، أنبت (١٧٠) الزرع يوم خلقه من غير بذر؟ وخلق آدم وحوّاء من غير ذكر ولا أنثى؟ قال: فلمّا قالت له ذلك، وقع في نفسه أنّ الذي بها من الله، عزّ وجلّ، وأنّه لا يسعه أن يسألها أكثر من ذلك.

قال: ثمّ تولّى خدمة المسجد وحده، وكفاها كلّ عمل كانت تعمله، لمّا رأى عجزها عن القيام بذلك. فلمّا دنا فقاسها، أوحى الله إليها أن اخرجي من أرض قومك، فإنّهم إن ظفروا بك عيّروك وقتلوا ولدك، وكانت أختها يومئذ حبلى وقد بشّرت بيحيى. فوضعته وهو ساجدا معترفا بعيسى، عليهما السلام.

قال: ثمّ حملها يوسف إلى أرض مصر على حمار له، حتّى إذا كان بأرض مصر في منقطع أدرك مريم المخاض، فألجأها إلى أزاي حمار-أي إلى مذوذه-في أصل نخلة نخرة، وكان ذلك في زمان الشتاء، فاشتدّ بمريم المخاض، فالتجأت إلى النخلة فاحتظنتها، وأحاطت الملائكة بها قائمين صفوفا، محدّقين بها. فلمّا وضعت، حزنت. قيل لها: لا تخافي ولا {تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُساقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيًّا فَكُلِي وَاِشْرَبِي وَقَرِّي عَيْناً فَإِمّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَداً فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمنِ صَوْماً فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا}. ثمّ كان الرّطب يتساقط عليها رطبا حيّا من تلك النخلة النّخرة، في غير زمانه، آية من الله تعالى.

قال وهب: إنّه تكلّم في المهد ثلاث مرار، ثمّ لم يتكلّم حتّى بلغ حدّ الكلام. ولمّا بلغ ثلاثين سنة، جاءه الوحي. فكانت مدّة نبوّته ثلاث