يكن تبقّى إلاّ العبيد والأجراء والأكّارين وسقّاط الناس. فلم تطق النّساء الصبر على الرجال، فعادت كلّ امرأة منهنّ تعتق عبدها وتتزوّج به. وكذلك أخذن الأجراء من الناس والسّوقة وما أشبه ذلك من سواد الناس. وأشرطوا عليهم أنّهم لا يتحدّثون في أمر من سائر الأمور إلاّ عن رأي النساء.
وكان قد ملكتهم دلوكة ابنة زبّا. وكان ثمّ ساحرة يقال لها: قدورة، وكانت السّحرة تعظّمها وتقدّمها في علمهم وسحرهم. فبعثت إليها الملكة دلوكة بنت زبّا تقول لها: قد احتجنا إلى سحرك، وفزعنا إليك، ولا نأمن أن يطمع فينا الرجال من الملوك لأنّا نساء، فاعملي لنا شيئا نغلب به من قصدنا من الملوك المجاورة لنا، فقد كان فرعون يحتاج إليك، وقد ذهب أكابرنا وبقي أقلّنا.
فامتثلت الساحرة أمر دلوكة، وعملت برباتين من حجارة، في وسط منف، وجعلت لها أربعة أوجه إلى الأربع نواحي. وصوّرت في كلّ وجه صور الخيل والبغال والحصير والإبل والسّفن والرجال، بطالع اختارته لذلك. ثمّ قالت: قد عملت لكم عملا يهلك به كلّمن أرادكم بسوء أو قصدكم من جميع هذه الأربع جهات التي لا نوتا إلى منها برّا وبحرا، وهذا ممّا يغنيكم عن الحرب ويقطع طمع من يقصدكم. فإنّهم إن كانوا في البرّ على خيل أو بغال أو سائر الدواب بأصنافها، أو سفن أو رجّالة من أيّ جهة