أقيموا بنا في أرضنا، تستغفرون الله وتتوبون إليه، فلعلّه يتوب عليكم ويخلّصكم من ظفر عدوّكم البختنصّر. فقالوا: إنّا نخاف أن يسمع بنا بختنصّر فيبعث إلينا، ونحن في شرذمة قليلة. ولكنّا نذهب إلى ملك مصر فنستجير به وندخل في ذمّته. فقال إرميا: ذمّة الله خير وأوفى الذّمم لكم، ولكنّي أخافكم.
فانطلقوا أولئك النفر من بني إسرائيل إلى قومين الملك يومئذ بمصر، فاعتصموا به، لما يعلمون من منعته، وشكوا إليه شأنهم. فقال:
أنتم في ذمّتي. فأرسل إليه بختنصّر: إنّ لي قبلك عبيدا أبقوا منّي، فابعث بهم إليّ. فكتب إليه قومين: ما هم عبيدك، وهم أهل بيت النبوّة والكتاب وأبناء الأحرار؛ اعتديت عليهم وظلمتهم. فحلف بختنصّر: لأغزونّك ما لم تبعثهم والجا جميعا.
وأوحى الله تعالى إلى إرميا: إنّي مظهر بختنصّر على ملك مصر الذي اتّخذوه حرزا لهم من دوني؛ وإنّهم لو أطاعوك وأمرك، ثمّ أطبقت عليهم السماء والأرض، لجعلت لهم مخرجا. وإنّي أقسم (٢٢٠) بعزّتي، لأعلّمهم أنّهم ليس لهم محتصر ولا ملجأ إلاّ طاعتي واتّباع أمري. فلمّا سمع إرميا ذلك، رحمهم وبادر إليهم، فقال: إن لم تطيعوني أسركم بختنصّر وقتلكم؛ وآية ذلك أنّي رأيت موضع سريره الذي يضعه بعدما يظفر بمصر ويملكها.
ثمّ قذف حجارة، قذفها من أربعة أركان، في المواضع التي يضع فيها بختنصّر سريره. وقال: ستقع كلّ قائمة من قوائم سريره على حجر منها.
فاختلفوا عليه بني إسرائيل.
فسار بختنصّر إلى قومين بن لغاس ملك مصر فقاتله سنة، ثمّ ظفّر