نبلة من كنانته ورمى شأس على حسّ كلامه فلن تخطئ قلبه، فانجدل صريعا، وهرب العبد الذي كان معه إلى بني عبس. وقام الصيّاد فوجد شأس يخور في دمه وقد قضى نحبه. ونظر إلى مركبه وما عليه من الحلّى الفاخر، فعلم أنّه من بيت ملك، فندم على ما فعل. ثمّ إنّه نزع ما كان عليه، وحفر له حفيرة ودفنه فيها. وقاد الناقة، وعاد إلى أهله، فأخفا ذلك الطيب في حفيرة في الخباء، وكذلك سائر سلبه، ونحر الناقة، وأخفى حميع أثره.
ووصل ذلك العبد إلى أحياء بني عبس، ونعى شأسا، وأخبرهم أنّه قتل في أرض بني عامر. فركب أبوه الملك زهير في أبطال بني عبس، في أربعة آلاف فارس، وأتا إلى منازل (٢٥٤) بني عامر، وكان خالد بن جعفر، سيّد بني عامر وملكها، غائب عند الأسود، أخو النّعمان بن المنذر، بأرض الحيرة فلمّا شعروا بني عامر بقدوم الملك زهير في بني عبس، خرج إليه كبار العشيرة ومشايخها، يقدمهم عامر بن مالك، المعروف بملاعب الأسنّة، وتلقّوه بالإجلال والتعظيم، وسألوه النزول عندهم ليضيّفوه، فأبا ذلك، وعرّفهم أنّه لم يأت إلاّ في طلب دم ولده شأس، وقصّ عليهم القصّة. فحلفوا له بالأيمان العظيمة التي كانت تحلف بها العرب في ذلك الوقت، أنّه لم يكن عندهم من ذلك علم ولا خبر: