وها نحن بين يديك، إن بانت علينا بيّنة ذلك وعلمت حقيقته، فهذه دمانا وأموالنا وحريمنا لك وبين يديك. فانخدع لذلك الملك زهير، وعاد طالبا لأهله، ولم يأثر شيئا من السرّ.
وأقام هو وأولاده في أسوء الأحوال. وكان هذا الملك زهير أبو عشرة وأخو عشرة وخال عشرة. وكان ولده الأكبر يسمّى قيسا، وكان ذو خبرة ونظر ورأي، حتّى كانت العرب تسمّيه: قيس الرأي. فقال لأبيه: أنا أظهر لك حقيقة هذا الأمر.
وكانت تلك السنة سنة مجدبة على العرب، حتّى نشف الضرع ويبس اللحم. فأخذ راحلتين وأوسقهما دقيقا وسمنا وشحما، وطلب عجوز من عقلاء الحلّة تسمّى: ماهرة. وقال: يا خالة، تأخذي هذه الراحلتين مع هذين العبدين وتتوصّلي إلى ديار بني عامر وتزعمي أنّك من أرض اليمن، وأن لكي بنت، وهي على وجه عرس، وتقصدي مشترى طيبا جيّدا، فلعلّ تعلمي بحال أخي شأس من الأحياء.
ففعلت ذلك، وتوصلت إلى أحياء بني عامر. ودارت على مشترى طيبا جيّدا، حتّى وقعت ببيت ذلك الصيّاد، ولم يكن حاضرا، وقد أعوز أهله ما يموّنهم لغيبته، فاستخبرتها زوجة الصيّاد عن (٢٥٥) حالها، فأخبرتها بما أوصاها به قيس، وتلطّفت في القضيّة، حتّى أظهرت لها ذلك