الطّيب الذي كان بصحبة شأس، وقصّته. فتبالهت العجوز وقالت: وا عجباه من هذا الأمر! ومن ترى يكون بني عبس أو بني عامر، وإنّما أنا امرأة من ضواحي اليمن.
فلمّا قضت شغلها وعادت فقصّت الحال على قيس، عند ذلك حمي الملك زهير، واستعدّ لقتال بني عامر وحضّر إليه. وسباهم وقتل منهم مقتلة عظيمة، وتحصّنوا منه في رؤوس الجبال، وعاد إلى أهله.
هذا كلّه جرا، وخالد بن جعفر غائبا عن أهله. فلمّا أتاهم أخبروه بما فعل بهم الملك زهير بن جذيمة. فقال: وا ذلاّه! يجري عليّ وعلى عشيرتي من ابن جذيمة هذا، من غير جرم منّا إليهم، وا عاراه من العرب!
وكان شهر رجب قد دخل، وكانت العرب لا تحمل فيه سلاح، ولا تتعرّض فيه لقتال. وإنّ الملك زهير ألزم نفسه أنّه لا يعود إلى أهله حتّى يقلع شأفة بني عامر. وطلب البيت الحرام، هو وبنيه وإخوته وبني أخته.
وقصد خالد أيضا البيت الحرام، وإنّهما تلاقيا في الطّواف، وحصل بينهما منازعة وكلام. فرفع خالد يديه إلى السماء وقال: اللهمّ، ربّ هذا البيت الحرام، وزمزم والمقام، وهذا الرّكن اليمان، طلبت منك النّصرة والإعانة على هذا الباغي علينا، زهير بن جذيمة. وكان الملك زهير كبير النفس شديد التجبّر، فقال: اللهمّ إنّي ما أطلب منك نصرة على أنذال بني عامر، وإنّما أنا آخذ ثأري بقوّة ساعدي وحدّ سيفي. قال: فقالت العرب عند ذلك القول: خذل زهير، وربّ الكعبة!
وافترقا على ذلك. وخرج خالد من فوره وترصّد لزهير في عودته، وكان قد بقي أيّام قلائل من شهر رجب. فلمّا عاد الملك زهير، ونزل في طريقه. (٢٥٦) فقال له ولده قيس: يابه، ارحل بنا من قرب ديار الأعداء،