وعلم أنّه مقتول لا محالة. وكان للنّعمان ولد صغير، وكان عند أخت الحارث. فإنّها كانت ربّته وهو في حضانتها، وكان من غير المتجرّدة بنت زهير. فأتا الحارث إلى أخته وقصّ عليها ما فعل. فاستعظمته وقالت: وماذا عوّلت أن تفعل؟ فقال: تعطيني ولد النّعمان، آخذه (٢٦٠) وأضعه على كفّيّ وأدخل به على النّعمان، مع سفارة المتجرّدة لي في ذلك، فإنّني قتلت قاتل أباها، فينصلح الحال في ذلك. فظنّت أخته أنّ ذلك صحيح منه.
فأخذ الطفل على كتفه وخرج به من باب مدينة الحيرة أوّل ما فتح، وصاح: يا أهل الحيرة، أنا الحارث بن ظالم المرّيّ، قد قتلت خالد بن جعفر في حرم النّعمان، وهذا ولد النّعمان أنا قاتله أيضا، فإن قتلني النّعمان أكون قد أخذت منه ثأري قبل موتي بقتل ولده هذا. ثمّ حذف ذلك الطفل والتقاه بسيفه في الهوى فقدّه أي قطعه قطعتين، وصاح وهجّ على وجهه.
فتبعوه الناس وقد جرّدوا وراءه سيوفهم، وطلبوه من كلّ مكان. فلمّا علم أنّه مأخوذ خاف على سيفه المسمّى بذي الحيّات أن يملكه غيره من بعده، فضرب به صخرة ليكسره، فقدّها ذلك السّيف نصفين. فلمّا رأوا القوم الذي كانوا خلفه يتبعونه، تلك الضربة في الصخرة، لم يتبعه بعدها أحد، وكانت سبب نجاته.
ثمّ إنّه بعد ذلك توصّل إلى بني عبس، واستجار بقيس ابن الملك زهير وعنتر بن شدّاد. فأجاراه من النّعمان، لمّا علم قيس أنّه قتل خالد بن جعفر وأخذ بثأر الملك زهير.