قيس، يقول لك أبي: أوصله حقّه وأنت جليل، وإلاّ أخذه منك وأنت ذليل. فزاد غضب قيس، وقال: يا ويلك يا ابن اللحنا! ولمثلي يقال هذا المقال؟ وضربه بحربة كانت في يده قضى عليه. وكان عنتر جالس بين يديه، فشدّ ندابة على فرسه عرضا وهو قتيلا، وزعق على الجواد، فعاد به إلى بني فزارة. فلمّا رأوه، صاحت النّسوة وانقلب الحيّ بالصياح، وحرق حذيفة أثوابه، وعلا بكاه وانتحابه، وصار يدور بين البيوت ويصيح:
والتراب أبا فراقة! الثأر الثأر!
وركبت فرسان بني فزارة وأحلافها، وكذلك بني عيس، ووقعت العين على العين ولا بقي إلاّ اصطدام الخيل. فدخلت مشايخ القبيلتين مكشّفين الرّوس، حفاة الأرجل. ولم يزالوا كذلك حتّى تقرّر بينهم الحال، على أن قيس يقوم بدية (٢٧٢) ندبة بن حذيفة. وحمل المال، وانفصل الحال، وافترقوا عن مضض.
ثمّ إنّ حذيفة جمع إخوته واستشارهم في الغدر ببني عبس، فقال له أخوه حمل بن بدر: يا حذيفة، احذر البغي، ثمّ أنشأ يقول (من الطويل، مع خلل في الوزن):
وحقّ الّذي أرسى الجبال بلا حسبي ... لإن أنت لم تقبل فداء بني عبس