وعن المدائنيّ، قال: أجمع الرواة على أنّ ما لأحد من الشعراء ما للأعشى من التصرّف في فنون الشعر. وقال: هو أوّل من سأل بشعره، ويسمّى: صنّاجة العرب.
قيل: ولم يكن له مع جودة شعره بيت نادر يمثّل به، كأبيات أصحابه امرئ القيس والنّابغة وزهير.
وقال المدائنيّ: قصد الأعشى الوفود على النّبيّ صلى الله عليه وسلّم، وقد مدحه بقصيدة أوّلها يقول (من الطويل):
ألم تغتمض عيناك ليلة أرمدا ... وبتّ كما بات السّليم مسهّدا
وساق منها ما وصل إلينا بعد ذكر تمام الخبر، فبلغ الخبر قريشا، فرصدوه على طريقه وقالوا: هذا صنّاجة العرب، ما مدح أحدا قطّ إلاّ ورفع من قدره وسما من شأنه. فلمّا ورد عليهم قالوا: يا أبا نصر، أين تريد؟ قال: أريد صاحبكم هذا لأسلم على يديه. قالوا: إنّه يحرّم الطّيّبين: الزنا والخمر. فقال: أمّا الزنا، فقد تركني قبل ما تركته، وأمّا الخمر فقد خلّفت وراي صبابة، وإنّي لأرجع فأمتنع بها أو منها وأعود.
وقيل: إنّ أبا سفيان بن حرب قال: يا معشر قريش، هذا الأعشى والله لإن أتا محمّدا واتّبعه ليضرمنّ عليكم نيران العرب بشعره، فاجمعوا له شيئا وادفعوا به. فجمعوا له مائة بعير. فقبلها ورجع طالبا أهله، فرمى به بعيره، فدقّ رقبته، فخابت سفرته، وخسرت صفقته.
قلت: وهذا أحقّ بأن تسمّيه العرب: الضائع، لا رفيق امرئ القيس.