فقال له النّعمان: إنّه لا بدّ من الموت! ولو أنّ المنذر عرض لي يوم بؤسي لذبحته. فاختر: إن شئت من الأكحل، وإن شئت من الأبجل وإن شئت من الوريد، فخبّرني أيّهم تريد؟ فقال عبيد: ثلاث خصال عواد، واردها شرّ وراد، وحاديها شرّ حاد، ومعادها شرّ معاد، ولا خير لمرتاد، فإن كنت ولا بدّ قاتلي فاسقني الخمر، حتّى إذا ماتت لها مفاصلي، وذهلت لها ذواهلي، فشأنك وما تريد. فأمر له النّعمان بحاجته، حتّى أخذت منه وطابت نفسه، دعا به النّعمان ليقتله، فأنشأ يقول عند ذلك (من الطويل):
وخيّرني ذو البؤس في يوم بأسه ... خصالا أرى في كلّها الموت قد برق
كما خيّرت عاد من الدّهر مرّة ... سحائب ما فيها لذي خيرة أنق
سحائب ريح لم توكّل ببلدة ... فتتركها إلاّ كما ليلة الطّلق
ثمّ أمر به ففصد حتّى مات. قيل: ولم يزل النّعمان على هذه السّنّة حتّى مرّ به رجل من طيء يقال له حنظلة بن عفراء في يوم بؤسه، فلمّا همّ بقتله، قال: أبيت اللّعن، والله إنّي أتيتك زائرا، ولأهلي من خيرك مائرا، فلا تكن ميرتهم منك قتلي! فقال النّعمان: لا بدّ من ذلك. فسألني حاجة أقضيها لك. قال: تؤجّلني سنة أرجع فيها إلى أهلى، وأوصي بما أريد، ثمّ أصير إليك تنفّذ فيّ حكمك. قال: ومن يكفلك حتّى تعود؟