فأتاهم ليلهم يتذاكرون أمر الرّبيع، فسألهم عن أمرهم، فكتموه. فقال:
والله لا عدت حفظت لكم متاعا ولا رعيت لكم بعيرا أو تخبروني شأنكم معه وما بدا منه. وكانت أمّ لبيد ربيبة في حجر الرّبيع بن زياد، فقالوا: قد غلبنا على النّعمان، وصدّ وجهه عنّا. فقال لبيد: اجمعوا غدا بيني وبينه بحضرة النّعمان حتّى أزجره عنكم بقول مؤلم لا يلتفت النّعمان بعده إليه أبدا. فقالوا: وهل عندك شيء؟ قال: نعم. قالوا: فإنّا نبلوك. قال: بماذا؟ قالوا: تشتم لنا هذه البقلة-وكان بين أيديهم بقلة دقيقة القضبان، قليلة الورق، لاصقة عروقها بالأرض-فقال لبيد (٣٣٢): هي التي لا تذكي نارا، ولا تؤهّل دارا، ولا تسرّ جارا؛ عودها ضئيل، وفرعها دليل، وخيرها قليل؛ أقبح البقول مرعا، وأقصرها فرعا، وأشدّها قلعا؛ بلدها شاسع، وآكلها جائع، والمقيم عليها قانع؛ فالقوا بي أخي عبس، أصدّه عنكم بتعس ونكس. فقالوا: أنت له. فلمّا أصبحوا حلقوا رأسه وتركوا ذؤابته وألبسوه حلّة وغدوا به معهم، فأدخلوا على النّعمان فوجدوه يتغدّا ومعه الرّبيع بن زياد يؤاكله، والدار مملوءة بالوفود. فقال لبيد، ورفع صوته وعلاّه (من الرجز):
مهلا أبيت اللّعن لا تأكل معه ... إنّ استه من برص ملمّعه