الله تعالى لحمل رسالاته، والتحدّى بآياته، وأضفى عليه سرابيل كراماته، وكلأه بحفظ معقّباته (١)، فإنّ من كان من الله سبحانه بعظيم هذه المنزلة، فخطبه جليل، وعليه لكلّ عين دليل. وإنّما صدّرت (٢٦) هذه الدرر الفريدة، والكلمات المفيدة، إذ بدأنا بذكرها، وتزيّنا بفخرها، إذ هى من صحح الأحاديث الواردة، المتّفق على صحّتها من رجال الحديث المتواردة (٢)، ولا طمع فى إحصاء جميع شواهد آياته، ولا إحصار معجزاته، ولنبدأ بتلخيص ما تصل القدرة من ذكره، إذ كل فصيح وبليغ يعجز عن أداء واجبات شكره.
وكفله بعد موت أبيه بخمسة أيام جدّه عبد المطّلب، فلمّا حضرته الوفاة، أوصى به أبا طالب عمّه، وعمره يومئذ صلّى الله عليه وسلم ثمانى سنين، وقيل أكثر، وقيل أقلّ، فأحسن تربيته، إلى أن ملك نفسه صلّى الله عليه وسلم، وانفرد عنه.
وكان أبو طالب قد خرج إلى الشام تاجرا، ورسول الله صلّى الله عليه وسلم معه فرآه بحيرا الراهب فعرفه بعلامة النبوّة والصفة التى كانت عنده، فقال لعمّه، أتحبّ هذا الغلام؟ قال: نعم، فقال: والله لئن عاينه اليهود ليقتلنّه، فإنّه عدوّهم! وأشار على عمّه بردّه إلى مكّة، فردّه، وأقام بها إلى أن بلغ خمسا وعشرين سنة.
ثم خرج إلى الشام لتجارة خديجة بنت خويلد، ثم عاد إلى مكّة، فتزوّجها بعد ذلك بشهرين.