بل بكلام الأحياء، ثم أمر بضرب عنقه، فقال: أكان فيما جاءكم به نبيّكم أن تجعلوا عهدا ثم تحقروه؟ فقال عمر: وأى عهد لك؟ فقال: ألم تقل: تكلّم بكلام الأحياء؟ فقال عمر: قاتلك الله، أخذت هذا عهدا؟ ما أعلمك! خلّوا سبيله.
ثم فتح السلال فمسّ الخبيص، ثم قال: أرى طعاما ليّنا، ثم ذاقه، وقال:
رحم الله أبا موسى، لئن كان طعاما أوسع جميع الناس من هذا القرى لقد أحسن، فقيل له: لو أنفق خراج فارس على أن يوسع على المسلمين من هذا ما بلغه، فقال عمر: فما تجعلنى أحقّ به من المسلمين؟ والله لئن أكلت قريش هذا الطعام لتنحرنّ بعضها بعضا، ثم بعث بسلاسل منها إلى أزواج النبى صلّى الله عليه وسلم ودعا لبقيّته أبناء الشهداء وليس فيهم إلاّ يتيم، فأجلسهم سماطين، وقربت السلاسل فأكلوا، ولم يأكل معهم غيرهم.
ثم جاء الأحنف فى رجال إلى حفصة فاستأذن عليها فأذنت، فلمّا قرب من الستر قال: يا أمّ المؤمنين، أما يجب أن تكون ثياب أمير المؤمنين ألين ممّا يلبسه، وطعامه ألين ممّا يأكل، فيكون ذلك معينا له على ما يتعاهد من أمر المسلمين؟ وليس فيما أحلّ الله بأس، وقد وسّع الله عزّ وجلّ على المسلمين فى ولايته، فقالت: مكانكم، ثم أرسلت إليه، وكان يعظّمها لمكانها من رسول الله صلّى الله عليه وسلم فلمّا جاء أخبرته بما قالوا، فقال: أى بنيّة، ما فى الأرض حاجة أحبّ إلىّ من حاجتك، ولا نفس أعزّ علىّ من نفسك، يا بنيّة، أتعلمين أنّه ليس أحد أعلم بداخلة الرجل من أهله، يشهدون منه ما غاب عن غيرهم؟ (١٥٩) قالت: نعم، فقال: نشدتك الله هل أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلم لم يتغدّ يوما إلاّ أضرّ بعشائه، ولم يتعشّ إلا أضرّ بغدائه؟ قالت: الّلهمّ نعم! ثم قال: فهل تعلمين أنّه صلّى الله عليه وسلم أتى