ثم جاء عبد الله فقال: قد أذنت لك يا أمير المؤمنين، فقال عمر: الحمد لله، ما كان شئ أهمّ إلىّ من ذلك المضجع، يا عبد الله، إذا أنا مت فاحملنى على سريرى، ثم قف على الباب فقل يستأذن عمر بن الخطّاب، فإن أذنت فأدخلنى، وإن بدا لها فادفنّى فى مقابر المسلمين.
ثم دعا عمر طبيبا من العرب فسقاه نبيذا، فشبّه النبيذ بالدم لما خرج من الطعنة، فدعى له آخر من الأنصار، فسقاه لبنا فخرج من الطعنة أبيض، فقال الطبيب:
يا أمير المؤمنين اعهد عهدك فإنّك ميّت، فقال عمر: صدقنى أخو بنى معاوية، ولو قلت غير ذلك لكذّبتك.
ولم يزل عمر منذ حمل إلى بيته فى غشية واحدة بعد واحدة من نزف الدم، أسفر، ثم أفاق، فقال: يا ابن عبّاس أصلّى الناس؟ قلت: نعم، قال: لا حظّ فى الإسلام لمن ترك الصلاة، ثم دعا بوضوء فتوضّأ وصلّى. ثم سمع هدّة بالباب، فقال: ما شأن الناس؟ قال ابن عبّاس: الناس يريدون الدخول عليك (١٩٠)، قال: ائذن لهم، فدخلوا فقالوا: استخلف علينا عثمان! فقال عمر: فكيف بحبّه المال والجاه؟ فخرجوا، ثم سمع هدّة فقال: ما شأن الناس؟ قال: إنّهم يريدون الدخول عليك، فأذن لهم، فدخلوا، فقالوا: استخلف علينا علىّ بن أبى طالب! فقال: إذا يحملكم على طريقة من الحقّ، فقال عبد الله بن عمر: فأكببت عليه ثم قلت: ما يمنعك منه؟ قال: أى بنىّ لا أتحمّلها حيّا وميّتا، وإن أستخلف فسنّة، وإن لم أستخلف فسنّة، توفّى رسول الله صلّى الله عليه وسلم ولم يستخلف، وتوفّى أبو بكر واستخلف، فقال عبد الله: فعلمت أنّه والله لن يعدل بسنّة رسول الله صلّى الله عليه وسلم.
ثم قال عمر: ولا أعلم أحدا أحقّ بهذا الأمر من هؤلاء الستّة الذين توفّى رسول الله صلّى الله عليه وسلم وهو عنهم راض.