(٢٠٣) رضاك علىّ، لا والله، ما لى من عذر، وما كنت قطّ أقوى ولا أيسر منّى حين تخلّفت عنك، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم:«أمّا هذا فقد صدقت فيه، فقم حتى يحكم الله فيك»، فقمت، وسار معى رجال من قومى، فقالوا لى: لقد عجزت أن لا تكون اعتذرت إليه بما اعتذر المخلّفون، قال: فأردت أن أرجع فأكذّب نفسى، ثم قيل لى: إنّه قد قال رجلان من خيار المسلمين مثل مقالتك، وهما مرارة بن الربيع، وهلال بن أميّة، فتأسّيت بهما لصلاحهما، ثم نهى رسول الله صلّى الله عليه وسلم عن كلامنا أيّها الثلاثة دون غيرنا، فاجتنبنا الناس وتغيّروا لنا، فأقمنا خمسين ليلة.
قال كعب: فكنت أصلّى الصلوات مع المسلمين، وأطوف الأسواق، ولا يكلّمنى أحد، وأسلّم على رسول الله صلّى الله عليه وسلم، فأقول فى نفسى: هل حرّك شفتيه بردّ السلام أم لا؟ وأسارقه النظر، فينظر إلىّ إذا صلّيت، وإذا نظرت إليه أعرض عنّى، قال: فلمّا طال ذلك علىّ من جفوة المسلمين، كنت أغدو إلى السوق، فبينا أنا أمشى بالسوق إذا نبطىّ يسأل عنّى من نبط الشام، ممّن قدم بالطعام يبيعه بالمدينة يقول: من يدلّ على كعب، فأشاروا إلىّ، فأتانى، فأعطانى كتابا من ملك غسّان، وكتبه فى سرقة حرير، يقول فيه: إنّ صاحبك قد جفاك، ولم يجعلك الله بدار هوان ولا مضيعة، فالحق بنا نواسك، فقلت:
هذا والله أشدّ طمع فىّ رجل مشرك، فعمدت إلى تنّور فسجرته.
فلمّا مضت علىّ أربعون ليلة، أتانى أمر رسول الله صلّى الله عليه وسلم أن أعتزل امرأتى، قال: فقلت: أطلّقها، قال: لا، بل لا يقربها، وأرسل إلى صاحبىّ بمثل ذلك، فقلت لا مرأتى: الحقى بأهلك، واستأذنت امرأة (٢٠٤) هلال رسول الله صلّى الله عليه وسلم