فقال: يا أمير المؤمنين، إنك لو لم تولّ هذا أمور المسلمين لأضعتها، والأحنف بن قيس جالس. فقال له معوية: ما لك ألا تقول، يا با بحر؟ فقال: أخاف الله إن كذبت، وأخافكم إن صدقت. فقال له معوية: جزاك الله عن الطاعة خيرا، وأمر له بألوف كثيرة. فلما خرج لقيه ذلك الرجل بالباب فقال: يا با بحر، إنى لأعلم أن شرّ خلق الله هذا وابنه، ولكنهم قد استوثقوا من هذه الأموال بالأبواب والأقفال، وليس نطمع فى استخراجها إلا كما سمعت. فقال له الأحنف: أمسك عليك، إن ذا الوجهين خليق أن لا يكون {عِنْدَ اللهِ وَجِيهاً.}
ومن كلام الأحنف يقول: ما خان شريف، ولا كذب عاقل، ولا (٢٩) اغتاب مؤمن. وسمع رجلا يقول: ما أبالى أمدحت أم ذممت.
فقال: لقد استرحت من حيث تعب الكرام. وكان يقول: جنبوا مجلسنا ذكر الطعام والنساء، فإنى أبغض الرجل يكون وصافا لبطنه وفرجه.
قال المسعودى رحمه الله: ولما امتنع أوليك النفر الخمس عن البيعة ليزيد، كتب بذلك مروان بن الحكم إلى معوية فعظم عليه. وحج فى عامه، فلما قرّب من المدينة خرج الناس إلى لقايه، وفيهم النفر المذكورين خلا عبد الله بن عباس. فلما رآهم معوية قطب فى وجوههم.