سمع أصواتا فى الليل فوق الجبل، فخاف أن يكون قد وصلوا إليه. وكانت ليلة ظلماء ذات ريح صعبة ورعد وبرق، فرفع نارا على رأس رمح لينظر الناس، فأطارها الريح إلى أستار الكعبة فاحترقت، واجتهد الناس على إطفايها فلم يقدروا، وأصبحت الكعبة تتهافت، وماتت امرأة من قريش. فخرج الناس كلهم خلف جنازتها خوفا أن ينزل عليهم العذاب، وأصبح بن الزبير ساجدا يدعوا ويقول: اللهم إنى لم أعتمد ما جرا فلا تهلك عبادك بذنبى، وهذه ناصيتى بين يديك. فلما تعالى النهار أمن وتراجع الناس. فقال لهم بن الزبير: الله الله أن ينهدم فى بيت أحدكم حجرا أو يزل عن موضعه فيبنيه ويصلحه، أو نترك الكعبة خرابا. ثم هدمها (١٢٩) مبتديا بيده وتبعه الفعلة حتى بلغوا قواعدها، ودعا ببنّايين من الفرس فبناها، انتهى كلام أبو بكر الهذلىّ.
ولنذكر اختلاف الرواة فيما ذكروه عن أم عبد الله بن الزبير، فمنهم من روى أنها لم تعش بعده إلا عشرة أيام وتوفيت رضى الله عنها، ومنهم من روى أن الحجاج لما صلب ولدها عبد الله آلا على نفسه أنه لا ينزله عن خشبته أو تأتى أمه وتشفع فيه. فلبث حولا كاملا حتى عشش الطير فى جمجمته، والناس يلومون أمه فلما صار له حولا أتت إلى الحجاج، وهو فى مجلسه.
فقالت: فرح الله الأمير أما آن لهذا الخطيب أن ينزل عن منبره؟ فأمر بنزوله، وقال لمن حوله: ألا انظروا إلى فعلها! صبرت حولا كاملا، وجعلت ولدها