لقرب أمير المؤمنين كان أحبّ إلينا من قربك يا مولى بنى نوفل، فإنّ فى قربك ما يلذّنا ويشغلنا عن كثير مما نريد. فقال لهما ابن سريج: أوقلّة شكر! فقال عدىّ: كأنك يابن اللّخناء تمنّ علينا [علىّ] وعلىّ، إن جمعنا وإياك سقف بيت أو صحن دار إلا عند أمير المؤمنين. وأما الأحوص فقال: أو لا تحتمل لأبى يحيى الزّلّة والهفوة! كفّارة يمين خير من عدم المحبة، وإعطاء النفس سؤلها خير من لجاج فى غير منفعة! فتحوّل عدىّ وبقى الأحوص. وبلغ الوليد ما جرى بينهم، فدعا بابن سريج فأدخله بيتا وأرخى دونه سترا. ثم أمره إذا فرغ الأحوص وعدىّ من كلمتيهما أن يغنّى. فلما دخلا وأنشداه مدايح لهما فيه، رفع صوته ابن سريج من حيث لا يرونه وضرب (١٧٨) بعوده. فقال عدىّ: يامير المؤمنين، أتأذن لى فى أن أتكلم؟ قال: قل يا عاملىّ. قال: أيكون مثل هذا عند أمير المؤمنين، ويبعث إلى ابن سريج يتخطّى به رقاب قريش والعرب من تهامة إلى الشام! ترفعه أرض وتخفضه أخرى فيقال: من هذا؟ فيقال: عبيد بن سريج مولى بنى نوفل بعث إليه أمير المؤمنين يسمع غناوه. قال الوليد: ويحك يا عدىّ! أو لا تعرف هذا الصوت؟ قال: لا، والله ما سمعته قط ولا سمعت مثله حسنا. ولولا أنه فى مجلس أمير المؤمنين لقلت: طايفة من الجنّ يتغنّون. قال: اخرج