وغزا رحمه الله الروم اثنين وخمسين غزاة فى ستة وعشرين سنة (٣١٢) صايفة وشاتية فى كل سنة. منها غزوة باقه من مفاخر الإسلام فيها أن بعض الأجناد نسى راية مركوزة على بعض الجبال بقرب مدينة من مداين الروم، فأقامت حتى عادت المسلمين فى الغزاة الثانية ولم يتعرض لها متعرض من الروم. وعاد صاحبها فى الغزوة الثانية وأخذها بيده مكان أركزها بعد ستة أشهر.
ومن مفاخره جوازه بالدرب الغربى، وهو مدخل من جبلين عظيمين، طول مسافته قدر بريد وعر فى وسط بلاد الإفرنج. فلما تجاوزه أخذ فى التحريق والإخراب والسبى وشنّ الغارات ذات اليمين وذات الشمال، فلم يستطع أحد يلقاه، وأقفرت البلاد مسافة أيام. فلما عاد وجد جميع ملوك الفرنج قد استجاشوا وضبطوا باب الدرب. وكان الشتاء قد حفزه فرجع واختار مكانا من بلادهم فاستوطنه وأمر ببناء الدور وجمع آلات الحرث وجمع الأتبان، حتى صح عندهم أنه يريد البناء. وكانت السرايا تخرج من العسكر وتأتى بالسبى والأبقار والأغنام والأقوات، فتختار الصغار والنساء وتقتل الباقين، حتى استد باب الدرب من جهته بجيف الروم ورؤوسهم. وكانت السرايا تخرج فلا تجد إلا بلادا خرابا.
ولما طال بلاء العدو، بعثوا رسلهم إليه يسلونه أن يخرج ويترك الغنايم