يجلسون بالليل في مسجد الرصافة ينشدون ويتحدّثون، وكنت أجيء إلى ذلك. فصحت يوما ببشّار وقلت: يا أبا معاذ! من الذي يقول (من الهزج):
أحبّ الخاتم الأحم ... ر من حبّ مواليه
فأعرض عنّي وأخذ في بعض إنشاده. ثم صحت به: يا أبا معاذ! من الذي يقول:
*إنّ سلمى خلقت من قصب السكّر*
فغضب وصاح: من هذا الذي يقرّعنا منذ الليلة بأشياء كنا نعبث بها في الحداثة؟ فتركته ساعة ثم صحت: يا أبا معاذ! من ذا يقول هذا (من الطويل):
أخشّاب حقا أنّ دارك تزعج ... وإنّ الذي بيني وبينك ينهج
فقال: ويحك عن مثل هذا فسل! ثم أنشدها حتّى أتى على آخرها. وفي هذه القصيدة يقول بشّار وفيه غناء (من الطويل):
فواكبدا قد أنضج الشوق نصفها ... ونصف على نار الصبابة ينضج
وواحزنا منهنّ يحففن هودجا ... وفي الهودج المحفوف بدر متوّج
فإن جئتها بين النساء فقل لها ... عليك سلام مات من يتزوّج
(٧١) بكيت وما في الدمع منك خليفة ... ولكنّ أحزاني عليك توهّج
الشعر لبشّار، والغناء فيه لسليم بن سلاّم.
وعن أبي غسّان دماذ قال: سألت أبا عبيدة عن السبب الذي من أجله نهى المهديّ بشارا عن ذكر النساء، قال: كان أوّل ذلك اشتهار نساء البصرة وشبّانها بشعره حتّى قال سوّار بن عبد الله الأكبر ومالك بن دينار: ما شيء أدعى