فقيل إنه يقول ليعقوب: أنت من المهديّ بمنزلة الحالب من الناقة (٨٤) الغريزة الدرّ التي إن لم يوصل إلى درّها فليس ذلك من قبلها إنما هو من منع الحالب منها، وكذلك الخليفة ليس المنع منه لسعة معروفه وإنما هو من قبل السبب. قال: فلم يعطف ذلك يعقوب. ثم إنه امتدح المهديّ بقصيدته المقدّم ذكرها التي أوّلها (من مجزوء الكامل):
يا منظرا حسنا رأيته ... من وجه جارية فديته
فحرمه أيضا فلمّا يئس من جوائز الخليفة هجاه وأنشد ذلك في حلقة يونس قصيدة منها (من السريع):
خليفة يزني بعمّاته ... يلعب بالدبوق والصولجان
أبدلنا الله به غيره ... ودسّ موسى في حر الخيزران
فسعي به إلى يعقوب بن داود، وكان قبلها قد بلغه هجاؤه إيّاه فحمله الأمر فدخل على المهديّ فقال له: يا أمير المؤمنين! أبلغ من قدر هذا الأعمى الزنديق الملحد بشّار أن يهجو أمير المؤمنين؟! قال: بأي شيئ؟ قال: بما لا ينطق به لساني ولا يتوهّمه فكري! فقال: بحياتي أنشدني! فقال: والله لو خيّرتني بين إنشادي إيّاه وبين ضرب عنقي لاخترت ضرب عنقي! فحلف عليه المهديّ بالأيمان التي لا فسحة له فيها أن يخبره فقال: أمّا لفظا فمعاذ الله، ولكنّي أكتب ذلك! فكتبه ودفعه إليه فكاد المهديّ ينشقّ غيظا، وعمل على الانحدار إلى البصرة للنظر في أمرها وما وكده غير بشّار. فانحدر، فلمّا كان بالبطيحة سمع أذانا في وقت أضحى النهار فقال: انظروا ما هذا الأذان! فإذا بشّار سكران. فقال: يا زنديق! يا عاضّ بظر أمّه! عجبت أن يكون هذا غيرك! أتلهو بالأذان في غير وقت صلاة وأنت سكران؟! ثم دعا بابن نهيك (٨٥)