فلما وصل إلى المعتضد عاتبه على تركه الاستظهار. فاعتذر بهروب المطوّعة وبنى ضبّة، ثم عرّفه جميع ما قال القرمطى. فقال: صدق، ما أخذ شيئا كان فى أيدينا. ثم أطرق مفكّرا، ثم رفع رأسه. فقال:
كذب عدوّ الله الكافر. المسلمون كلّهم رعيتى حيث كانوا من بلاد الله، والله لئن طال بى عمر لأسيرنّ بنفسى إلى البصرة وجميع غلمانى، ولا أبرح أسيّر إليه جيش بعد جيش، حتى أقلع شأفته إن شاء الله أو يحكم الله بينى وبينه.
وشغله بعد ذلك أمر وصيف غلام ابن أبى الساج. وخرج فى طلبه وهو عليل. وذلك فى شوّال من هذه السنة المذكورة. (ص ٤٢) فأخذه وعاد إلى بغداد. فدامت علّته حتى توفى فى تاريخ ما تقدم من ذكره فى الجزء الذى قبله.
قال الشريف «أخى محسن» رحمه الله: ثم إن أبا سعيد القرمطى بعد إطلاقه العباس بن عمرو أقبل على جمع الخيول، وإعداد السّلاح، واتخاذ الإبل، وإصلاح الرجال، ونسج الدروع والمغافر، ونظم الجواشن، وضرب السيوف والأسنّة، واتخاذ الروايا والمزاد والقرب، وتعليم الصبيان الفروسية. وطرد الأعراب عن قربه، وسدّ الوجوه التى يتعرّف منها أمر بلده وأحواله، وعمد إلى إصلاح المزارع وأصول النخل وعمارته،