الناس. فلما علم المكتفى بالله ما الناس فيه من شدّة البلاء، جهّز الجيوش وخرج بنفسه إلى مضربه بباب الشماسيّة فى قوّاده وجنده، لاثنتى عشرة ليلة خلت من شهر رمضان، وسلك طريق الوصول ومضى نحو الرقة ونزل بها، وانبّثت الجيوش بين حلب وحمص، وقلّد محمد بن سليمان حرب اللعين الحسن بن زكرويه، وضمّ إليه جيشا كثيفا. وكان محمد صاحب جيش العطاء، فى الديوان المقدّم ذكره فى الجزء الذى قبله.
فلما دخلت سنة إحدى وتسعين ومئتين سار محمد بن سليمان لمناهضة القرامطة. وألتقى الجمعان لست خلون من المحرّم بموضع بينه وبين حماة اثنا عشر ميلا، فاقتتلوا قتالا شديدا حتى حجز بينهم الليل، وكان الظفر للجيوش الخليفية، وقتل من الطواغيت كماتهم وكبارهم فى حديث طويل هذا (ص ٥٢) ملخّصه.
وكان الحسن بن زكرويه، لعنه الله، لما أحسّ بالجيوش، قد اصطفى المقاتلة. أخرج من معه من الرجال والشجعان عن الضعفة والسواد وعرضهم حتى رضى سلاحهم ورتّب أحوالهم. وقد امتلأ صدره من أمر المكتفى بالله وجيوشه، وهو ضابط لأمره وكاتم لذات نفسه. وأنفذ الجيش وتخلّف فى السّواد والضعفة. فلما انهزم أصحابه ارتاع لذلك، ورحل من وقته بسواده، وسار خوفا من الطلب. وتلاحق من أفلت، فخاطبهم بأنهم