({ما كانَ أَبُوكِ اِمْرَأَ سَوْءٍ وَما كانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا}) فعرّفنا على أىّ رأى أنت، وأىّ طريق سلكت. أما كان لك بجدّك أبى سعيد أسوة، وبعمّك أبى طاهر قدوة؟ أما نظرت فى كتبهم وأخبارهم؟ أما قرأت وصاياهم وأسفارهم؟ أكنت غائبا عن ديارهم وما كان من آثارهم؟ ألم تعلم أنّهم كانوا عبادا لنا أولى بأس شديد، وعزم شديد، وأمر رشيد، وعمل حميد؟ تفيض عليهم بركاتنا، وننشر عليهم موادنا، حتى ظهروا على الأعمال، وعادوا لنا عمال، ودان لهم كلّ أمير ووال، ولقّبوا بالسادة فسادوا، وبالمنحة منا واسم من أسمائنا، فعلت أسماؤهم، واستعلت كلمتهم، واشتدّ عزمهم، فسارت إليهم وفود الآفاق، وامتدت نحوهم الأحداق، وخضعت لهيبتهم الأعناق، وحسم بهم مادة الفساد والعناد، فكانوا لبنى العباس أعداء وأضداد.
ثم قال بعد كلام كثير: فيا أيها الناكث الحانث، ما الذى أرداك، وصدّك وأغواك؟ أشئ شككت فيه، أم أمر استربت منه؟ أم كنت خاليا من الحكمة، وخارجا عن الكلمة، فأزلك هذا وصدّك، وعن سبيل الحقّ ردّك، إن هى إلا ({فِتْنَةٌ لَكُمْ وَمَتاعٌ إِلى حِينٍ})