ممن منع عن نفسه وماله. ووصل الملك مرّى-لعنه الله-وجيوشه إلى باب القاهرة، وعوّل على فتحها، فبذل له أهلها مالا جزيلا. وقويت شوكة الفرنج-خذلهم الله- بالقاهرة، وعادوا يمدوا أيديهم، ويأخذون الحريم والأولاد والأموال، لا يمنعهم من ذلك مانع. وجرت على أهل مصر من الفرنج العظائم، وحوصر الناس فى بيوتهم، ولا عاد أحد يقدر على الخروج من بيته. وتمت أحوال تقشعر لسماعها الأبدان، وانتشر الملاعين فى سائر الأعمال، وعادوا يأخذون حريم أهل مصر، وينزلون فى الزوارق ما بين مصر والجزيرة، ويشربون عليهم الخمور، ويفسقون فيهم.
وقتلت عالم كثير من كبار البيوت، ونهبت أموالهم. هذا كله يجرى وشاور يصانعهم، ويركب إلى كبارهم وملوكهم، وأظهر النصيحة لهم.
فلما علم الفرنج أن لا دافع لهم عن تمليكهم مصر، كتبوا إلى ملكهم الكبير يحثونه على الحضور ليملك مصر. فلما علم العاضد ذلك أيقن الهلاك، وكذلك كبار البلد، فأجمعوا رأيهم، وكتب العاضد إلى نور الدين الشهيد، الملك العادل صاحب الشام، وهو يخبره فيه بما جرى على الإسلام. ثم قال فى كتابه:«متى أنجدتنا وخلصت الإسلام، كان لك مع ثواب الله-عز وجل-ثلث خراج مصر، يحمل إلى خزانتك فى كل سنة، بعهد من الله وميثاقه، خارجا عن نفقة جيوشك فى هذه الكرة». ثم إن العاضد دخل إلى قصره، وقطع شعور النساء والبنات والصبيان، وحمله فى مخالى، وسيره إلى نور الدين الشهيد، وذلك لعظم ما جرى على الإسلام من الملاعين الفرنج. ثم كتب فى أثناء كتابه يقول:«وا غوثاه! وا غوثاه! وا غوثاه! إلحق دين الإسلام! أدرك أمة محمد عليه السلام! يا نور الدين! يا نور الدين! يا نور الدين!» قلت: هكذا رأيت نسخة هذا الكتاب إلى نور الدين، لم أزد فيه حرفا.