الكفر، وما قتل من رجالهم، فنظر إلىّ وهو مخنوق بعبرته، وقال:«كيف لى بخلاص المأسورين من أيدى المشركين؟».
ثم أمر بالرحيل من تلك المنزلة إلى المنزلة الأولى [بشفرعم]. وجرد ألفى فارس فى مكانه لينظروا ما يكون من أمر البلد والمسلمين المأسورين. وكان فى جملة المأسورين بهاء الدين قراقوش الأسدى، الذى بنى سور القاهرة، وعمل الروك بالديار المصرية، فأفدى نفسه بجملة كبيرة. ثم إن الملاعين قتلوا سائر من كان بها من المسلمين، إلا من كان فى أجله تأخير.
فلما كان نهار الخميس سلخ جمادى الآخرة، ركبوا الملاعين، خيلا ورجلا، واصطفوا ميمنة وميسرة، وتواقعوا مع يزك المسلمين، فأردف السلطان اليزك بعشرة آلاف فارس، فكسروا الملاعين، وتبعوهم إلى خندقهم. فلما كان ثامن رجب الفرد، حضر صحبة حسام الدين حسين بن باريك المهرانى فارسان من الفرنج من عند الملك الكبير ملك الفرنج، فقدموا بين يدى السلطان، وسألوه عن صليب الصلبوت الذى أخذه من بيت المقدس، وقالوا:«إن وجدناه تحدثنا فيما يعود نفعه على الطائفتين، ويكون فيه المصلحة» فأمر السلطان بإحضاره. فلما عاينوه، خروا له ساجدين على وجوههم، ومرغوا خدودهم على الأرض، ثم عادوا إلى ملكهم.
ولما كان الحادى والعشرين من رجب، خرج الملك الأنكتير-لعنه الله-ومعه جماعة من الخيالة، وساروا نحو تل العياضية، ثم أحضروا جماعة من أسرى المسلمين، ممن كانوا بعكا وسلموا ذلك اليوم من القتل. فأراد الله لهم بالشهادة، وختم لهم بالسعادة، وأوقفوهم، وأرموا فيهم السيف. فلما نظر المسلمون بوارق السيوف، ساقوا نحوهم، ثم أعلموا السلطان بذلك، فركب، وركبت العساكر، وركب الفرنج بأجمعهم من عكا. والتقى الجمعان، وقتل بينهم خلق كثير. وكانت وقعة شديدة،