على فم تلك المغار باب عظيم من الذهب الأحمر، مرصّع بأنواع الجواهر العظيمة القدر، وله سدنة وخدام. وهذه المغار فهى معبود أهل تلك الديار، فإذا أراد الإنسان منهم يحلف، يقول:«أيّما قراطاغ»، تفسير ذلك «وحق الجبل الأسود». وإشارته إلى تلك المغار.
قال جبريل: قال برزجمهير: وأصل دعواهم فيه. قلت: ونحن لا نصدق هذه الدعوى الضعيفة، وإنما نورد ما قالوه، ونرد عليهم من الشرع والعقل الذى احتجاجهم به.
قال: إنه لما كان أول زمان، جرّت السيول من الأمطار ماء إلى تلك المغار، وسحّب ذلك الماء بقوته ترابا من مجر السيول، فاحتبس فى تلك المغار فى أخدود شبيه بقالب هذه الخلقة الآدمية. وكانت الشمس فى ذلك الوقت فى برج أفنون-على ما نقول نحن برج السرطان-فقصده بذلك أن الشمس كانت فى أوجها وقوة حرارتها، بما يقتضيه عرض أرضهم، إذ كل إقليم خص بعرض وسمت. وكانت تلك الصبابة التى تحدرت من تلك السيول إلى المغار، قد تجمعت فى ذلك الأخدود. فلما استقرت، طبختها الشمس، فكانت المغار بمنزلة جوف المرأة. والمستقر فى ذلك الأخدود عنصران: الماء والتراب، وطبختهما الشمس فى أوجها فكانت كعنصر النار.
واعتدلت له الرياح فى مدة تسعة أشهر، وتكملت الأربع استقصاءات. فلما كانت الشمس ببرج حيتان-وهو كقولنا برج الحمل-فقصده أنه مضى تسعة أشهر، فإن كل ثلاثة أشهر فصل. فلما كان ابتداء أمره، والشمس فى أوجها، فيكون أول الصيف. فلما مضت التسعة أشهر، مضى فصل الصيف وفصل الخريف وفصل الشتاء، وشرعت الشمس للاعتدال. فلما وافق إكمال تلك المصاية وتعفينها وإنضاج طبخها عند اعتدال الشمس استحق الكمال والخروج، فخرج من ذلك الأخدود صفة هذا الحيوان الناطق. قال جبريل: وهذا القول تصححه أصحاب القول بالتعافين،