وكانت كل ثلاثة أيام إلا قليل بنظير سنة من العمر الطبيعى، وهو المائة وعشرون سنة. فإذا حسبت السنة اثنى عشر شهرا، كان استكمال السنة باستكمال مائة وعشرين سنة. فالزيادة فيها كون أن الشمس كانت فى أول خروجه إلى فسيح الفضاء بنقطة الحمل، وهى فى صعودها، فاقتضى الحال الزيادة فى طول مدة ذلك الفصل بكماله. فلما صارت الشمس بنقطة السرطان، وبلغت منتهى الزيادة فى صعودها، وقفت فى ذلك الفصل بكماله. فلما عادت الشمس بنقطة الميزان، وتساوت، ورجعت إلى الهبوط، اقتضى ذلك الحال النقصان. فلما انتهت إلى الحضيض اقتضى الحال التلاف والهلاك، إذ الحمل لم يكمل غير تسعة أشهر، فمنتهاه آخر ما الشمس فى برج الجدى، وهو آخر الحضيض الشمسى. والعمر الطبيعى إنما هو تسعون سنة، وإنما جعلوه مائة وعشرون سنة للغاية فى النهاية. قال جبريل: وأقوى الأدلة على ما ذكرناه أن سائر المخلوقات ذوات الأرواح الجائلة فى الأجساد المركبة، فى فصل الربيع يحصل لها الانتعاش وقوة الحركة والنهضة وتحريك الشهوة والتنصل من الأمراض التى حدثت فى فصل الخريف، ولم تنصل فى فصل الشتاء كون أن الشمس فى هبوطها.
قال جبريل: فإن قال قائل رأينا من يعيش أكثر من المائة وعشرين، ورأينا من يموت دون ذلك من غير سبب عارض، فالجواب عن ذلك، قال برزجمهر: الحجة لنا فى ذلك خلقة هذا الشخص المدعو «أى أطام» فإنه إذا اتفق أن المولود يولد موافقا لمبروز هذا الشخص فى الأوقات التى تكون فيها من ابتدائه إلى انتهائه، وتكون أعضاؤه مناسبة لتلك الأعضاء المختصة بذلك الشخص، لاتساع جولان الروح فى متسع التركيب، وسلم من أن تغلب عليه طبيعة على طبيعة، وخلص من آفات الدنيا وعوارضها، حكمنا له أنه يعيش ما قدرناه له من العمر الطبيعى. ثم إنه ذكر هاهنا مقادير الأعضاء فى التركيب من الرأس إلى القدم، مما أضربت عنه لطول شرحه