ولم يكن بها ساكن من الإنس، مع كثرة خيرها، وسعة فضائها، وبهجة أقطارها، وعذوبة مائها، وصحة هوائها، تشتمل تلك البحيرة على عدة جزائر خضرة نضرة، كثيرة الأشجار والنبات، يأوى إليها سائر أصناف الطير من سائر أقطار الأرض، يبيض ويحضن ويفقس، لا تجد من يشوش عليهم، ولا من ينفره عن وكره.
وكان أكثر ذلك طيرا، الجنس الذى يقال له باللغة التركية «قو» وهو «التم».
فاتفق أن بجوار هذه الأرض-بعد مسافة بعيدة-بلاد يقال لها تبّت، وهى التى بها الغزال، الذى فى صراره المسك المعروف بالمسك التبتى، وهو أجود من المسك الصينى بطبقات، لا يحمل إلا إلى الملوك فى البر دون البحر، فإن حمله فى البحر مما يقطع ريحه، وله حديث طويل، أضربت عنه لذلك.
قال سليمان الأذربيجانى: فخرجت امرأة من بلاد تبّت، وهى حامل، إلى بعض تلك الأودية بتلك الأرض تحطب، فأدركها المخاض، فوضعت ولدا ذكرا كأنه قطعة صخر، فنهضت تأتيه بشئ من ذلك الحشيش تستره به، فاختطفه نسر، وحلّق به فى الجو، فلم يحطّه إلا بسفح ذلك الجبل المسمى بقراطاغ. فسقط-لما يريده الله عز وجل-فى غيضة قد ولدت فيها فى تلك الساعة لبؤة، فصار الطفل عند شبلها الذى وضعته، لأمر أراده مدبّر الأمور، ومقدّر الكائنات، الفعّال لما يريد، لا يسأل عما يفعل وهم يسألون. ثم أراد النسر حمله، فنظر إلى اللبؤة وهى قد ضمته إلى شبلها، وظنت أنها وضعته مع شبلها، وحنّنها الله-جل وعز-عليه، كما ورد الخبر عن نمرود بن كنعان مع النمرة التى حضنته مع جروها. فجفل النسر وحلق طائرا وتركه. ثم إن اللبؤة أرضعته مع شبلها من وقتها. ولم يزل كذلك حتى انتشأ وترعرع، وكبر مع ذلك الشبل، وعادت اللبؤة تكسر لهما من أصناف وحوش ذلك الجبل