وتطعمهما. وشبّ ذلك الغلام وكبر، حتى صار يفترس الأسود بيده، ويأكل لحومها، وعاد كأنه البختى العظيم من عظم خلقه، بوجه كأعظم ما يكون من وجوه السباع، ولا يظن أن ثم خلقا سوى تلك الوحوش، لعدم السالك بتلك الأراضى. وعادت الأسود إذا رأته جفلت منه وهربت، خوفا من شره ولافتراسه إياهم.
قال سليمان بن عبد الحق الأذربيجانى: فبينما هو ذات يوم بسفح ذلك الجبل على شاطئ تلك البحيرة، إذ نظر إلى سبعة نفر من بنى آدم-ثلاثة رجال وأربع نسوة-وهم فى تلك الأرض، والأسود قد دارت عليهم من كل جهة. فنظر إلى أشخاص كشخصه، وشبها كشبهه، وتركيبا كتركيبه، فحنت الجنسية، ومالت الطبيعة الآدمية، فنهض إليهم، وزعق على تلك الأسود الذين قد تجمعوا عليهم، فنفروا منه، لما رأوه. وكذلك أولئك الأشخاص سقطوا على وجوههم لهول منظره، فتقرب إليهم ووانسهم، فتأنسوا به، لما علموا أنه يمنع عنهم أذى تلك الأسود.
وتبينوه فوجدوه آدميّا مثلهم، وإنما غيرت محاسنه الوحشية الربيبة. فكلموه فلم يفهم، بل إنه يزمجر كزمجرة الأسود. ثم إنه تأنس بهم، وعاد يفترس لهم من تلك الأسود والوحوش ويأتيهم به، فيشوون ويأكلون ويطعمونه، فعاد يأكل مما يأكلون.
ولم يزل كذلك حتى فهم وعقل كلامهم. وعادوا يأمرونه بالشئ فيفهم. وسأل بعد ذلك منهم عن أحوالهم، فعرّفوه أن ثم أناس مثلهم كثير فى جميع الأرض، فقال:
«فما الذى أوقعكم أنتم هاهنا، ولم أر من قبلكم غيركم؟». فقالوا:«نحن تتار»؛ معنى ذلك-أى تائهين عن أرضنا- «وأن قوما من جنسنا غلبوا علينا، وقتلونا، وأخرجونا من ديارنا، فخرجنا هاربين، لا ندرى أين نتجه، فوقعنا فى هذه الأرض تتار، أى تائهين». فهذه أصل كلمة قولهم التتار.